• il y a 4 ans
تميم البرغوثي : جَدَّاتُنا 2

جداتنا- الجزء الثاني
بشال وثوب تمر على الجسرِ
مبروكةَ الصدر والخصرِ
لا بد يؤلمها حين تُحشر في الشِّعرِ
مقعدها في القصيدةِ،
مثل مقاعد حافلة الجسر، غير مريحْ
فمعنى الأمومة والأرض والوطنية أصغر منها
وإغداق شاعرها بالرموز عليها
وذكر الأساطير، أمر قبيحْ

أنا لن أُشبه وجهك بالنحت في الصخرِ
أو جودَ كفيك بالحقل والنهرِ
أو بنساء أشورَ وبابلَ
أو ظبية البرِّ
لا في الطبيعة أنت ولا في الخيالْ
تعاريج كفك مخطوطة كتبت كالوصيةِ
فيها وثيقة ملكية للبلاد وتاريخ أنسابنا العربيةِ
أنت براءة هذي الجبال الخصيبة، من تهمة الحجريةِ
يا جدة التين والبرتقالْ
كأنك أنت اخترعت الجبالْ
أقول اخترعت الجبال اختراعاً
ولم تتشكل بمر العصور،
ولكن دعوت فجاءت تباعاً
كأن الجبال كلام يدور
كلام نطقت به أولاً
ثم صار صداه جبالاً
صدى من صدى
تتكرر أقواسها في المدى
ليس تعيى البلاد بتردادها
كأن الجبال إليك ومنك
أحاديث تروى بإسنادها

ويا جدة التين والزعترين،
المجفف والأخضر الجبلي
ويا جدة الحرب والهجرتينِ
سلام على طبك المنزلي
إذا أنت دلكت بالزيت صدر الزمان
كما تفعلين مع الطفل حين يحم
سلام لصوت العتابا النقي
إذا رحت تستأنسين الألم

سلام عليك إذا كنت دوماً
تصرين أنك لا تكملين القصص
فالنهاية عندك معدومة،والعدم
وأنت نقلت الحديقة حين ارتحلت
إلى شرفة في المخيم،
شتلةَ صبر وريحانةً،
فالعشيرة لاجئة في الخيم
والحديقة لاجئة في الأصص
ثم بالملجأين، صنعت بيوتاً
يؤهل فيها بقُصادها

وفيك ركانة قاضية
وفصاحة دارسة للحقوق
وفي اللهجة القرويةِ
أعشق تصغيرَكِ الوقتَ، حين تسمينهُ
بالوُقَيْتِ، كأن الزمان صغير تربينهُ
وإذا ما تهدده عارض ما ستحمينهُ
وهو غول ولكن طبعك لا يرتضي
أن في الأرض شيئاً يسمى العقوق

ويا جدتي أنت طيبة
غير أنك لستِ ملاكاً،
وفيك من الخبثِ قَدْرٌ مليحْ
كذبت على الحاكم العسكري
وزورت في سن طفلك كي يدخلوه صغيراً إلى صفه المدرسي
وتعطين بعض القريبات من عنب الدار ما يشتهين
ويعلمن أنك لست تحبينهن، كما تعلمين
وقد يبتسمن فتبتسمين
وعندك خبث الطيور تحاول أن تتفادى الحبال
ولكن خبثك خبث بريء على كل حال
جمعت الصفاتِ بأضدادها


تمر على الجسر تحمل ما لا يطاق من الأمر
همَّ البلاد نعم،
وكذلك زيتاً لأحفادها
وصنوفاً من الجبن والمريمية
أو قل صنوفاً من الحكمة الأبدية
مخبوزة في الطوابين
مفروشة كالبساتين
مقطوفة من على شجر التين
أو كتب الشعر والنثر والدين
رأساً إلى قاع زوادها

وما كنت أدري لماذا تصمم دوماً
على حمل كل صنوف الثمار التي خلق الله في زحمة الجسر
حتى رأيت مجندة عندها تسعتان من العمر وهي تفتشها
وتُفَتِّحُ كل حقائبها، ثم تفرشها
لأرى بلداً كاملاً فوق منضدة الفحص ينشر مثل العلم

فقل للعساكر في الجسر يا أمة من غبار الأمم
ويا من تهينون أهل الكرامة للعنصرية أو للسَّأَمْ
إلى أن تكون لكم جدة مثلنا
إلى أن يدور الزمان وأن تحملوا حملنا
إلى أن تروا أن قتل سوانا لكم
لا يحل لكم قتلنا
إلى أن يكون لكم مثل هذا
تنحوا،
وخلوا الطريق لجداتنا أن تمر
لتجعلكم قصة
مثل كل من احتلنا
هكذا ببراءة حجيةٍ
دون قصد ولا نيةٍ
وبعفويةٍ
وهي تصنع شاياً لنا

Recommandations