ما وراء الخير و الشَر - الجُزء الأول

  • 3 years ago
يروي غافارني في يوميات ككيغارد : سألنا مرة نيتشه، إن كان حصلَ مرة لهُ أن فهِم امرأة ؟ رد : "إمراة ! إنما المرأة شيءٌ لا يُمكن سبر أعماقهِ، لا لأنهُ عميق، بل لأنهُ خاوٍ، كمن مسك الماء بين قبضة يدهِ ومنى نفسه ألا يتسرب منهُ فإنسرب"، وكانت سالومي هيّ الماءُ الذي بلل جفا نيتشه الداخلي الذي منى نَفْسَهُ أن يستمر لكنهُ أيضاً إنسرب،

أتذهبُ أنتَ إلى المرأة، لا تنسَ إذاً سوطك : إن محاولة نيتشه لعقاب المرأة والقسوة عليها هيّ محاولةً للتخلص من شاعريتهِ التى يُفضيها عليها، وجد نيتشه فى المرأة التي أحب الخواءَ الذي لم يُتوقع أو يُتنظر، كان رجلاً وحيداً يبحثُ عن علاجٍ للوحدة فى إمراة وبدل من أن يجد فى المرأة علاجهُ أصبح أشدَ وحدةً ورجل مصاباً بإمراة، إننا نتعايشُ مع أمراضنا لا نبحثُ عن علاجٍ لها يا سورين : تلك كانت نصيحة غالياني إلى أبنهِ سورين كركيجاد،


في نظري المعلومات الناقصة عن هذهِ العلاقة الثُلاثية و القراءة الوَجهية كما نعلم ليست إلا إنبثاق للحالة التي يكتِبُ بها المدون، لو سالومي كانَت ظاهرة فلسفية مُلمة بقراءة شوبنهور، لنراجع كتابها القيِّم "موت إيروس"،

‏لنراجع كتابها أيضاً شُكري للأستاذ فرويد، التي فيهِ تضع المخطط الأولي في بحثها عن نظريات فرويد في التأريخ و علم النفس، و تُشيد في صفحاته أن نتعلم من سيغموند فرويد ما أطلقه من دراساتٍ و أبحاث حول المجتمع آنذاك، سواء وقع في حبها أم لم يقع لم تذكر هي في أياً من كتبها ذلكَ البتة، بل كانت طالبته،

نيتشه و السوط: ‏إن حصر هذه العلاقة "بالسوط" كإشارة للذكورة المتعالية، هي قراءة غير متمكنة للأسف، نيتشه كتب عن النسوة المريضة في عصره، ألمانيا المُحتدمة آنذاك بين الديموقراطية و المُحافظة و بداية نشوء الحَرب، كما كتبَ كذلكَ عن الذكورة الناقصة في إطار "الفلسفة" و السياسة، وليس في سياق الإحتقار، أما السوط إشارة ساخرة لجلد الذات عند زرادشت عندما قابلته عجوز ٌ مسيحية،

‏الإلتقاء الأدبي الذي نراه في حياة هؤلاء الاربعة "ريليكه، نيتشه، سالومي، فرويد"، يختلف عما يراه الكُتاب الصحفيين، بالرغم أنها حياة ملتبسة للغاية، لكن لها أثرها من مؤلفاتٍ جيدة طرحتها لو سالومي، فيها تُثني على هؤلاء جميعاً الذين جمعتهم علاقة "أكاديمية، علمية"،

‏وهذه العلاقة لا مشكلة اذا إختلف فيها هؤلاء الأربعة في توجهاتهم الفكرية، إن اظهار نيتشه كرجلٍ مريض ترفضه سالومي في كتابها الذي كتبته عنهُ، إستنتاج غير مهني، كذلك بإعتبارها كانت إمرأة مستقلة بشكلٍ واضح، و كتاباتها تتحدى القُراء لإعادة التفكير في أدوار الجنسين، رُغم أنَها تلقت رفضاً من قبل النسويات المتطرفات،

‏في مذكراتها تكتب عن تَكون شخصيتها، بدأت تفقد إيمانها عندما كانت طفلةً في روسيا، لأسباب ليس أقلها أن الله لم يرد على أسئلتها حول سبب إختفاء زوج من رجال الثلج فجأةً في الشمس، ‏إنها إمرأة مُجتهدة في نظري، راحَت هذه التسؤلات الوجودية في ذهنها إلى الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا والألماني إيمانويل كانط، هم الذين بدأوا في إعطائها الإجابات التي كانت تبحثُ عنها كثيرًا، حتى أنها كانَت تعشق كانط لإنضباطه الدقيق،

‏رفضَت سالومي مقترحات نيتشه و بول ري في البداية وهي عروض الزواج، التي هي أعراف بشرية طبيعية أُستخدمت فيما بعد كإدانة لها و لهم، لكنها قدمت عرضاً مضاداً، تم قبوله، أن يعيش الثلاثة معاً في نوع من المجتمع الفكري العازب، حيث يقضون وقتهم في مناقشة الفلسفة والأدب والفن، كعلاقةٍ أفلاطونية،